بعدما انزل سقراط الفلسفة من السماء الى الأرض ،توسعت مجالات التفكير و حقول البحث ،منها مجال السياسة ،وكان للفيلسوف افلاطون و أرسطو دورا رئيسيا في تطوير مفهوم الدولة الكلاسيكية ،وظلت أفكارهم مسيطرة الى نهاية العصور الوسطى ،وبداية العصر الحديثة وظهور الدولة الحديثة ،التي استمدت أفكاره و قواعدها من فلاسفة العقد الاجتماعي ،على رأسهم الفيلسوف الانجليزي طوماس هوبز و الفرنسي رينيه ديكارت ،ونظرا للمساهمة الكبيرة في المجال السياسي للفيلسوف الاول (طوماس هوبز)و لهذا فضلنا أن يكون موضوعنا مركزا حول أفكاره في التأسيس للدولة الحديثة بناء على نظريته الشهيرة حول العقدي الاجتماعي .
توماس هوبز: (1588-1679) هو فيلسوف إنجليزي يُعتبر أحد أبرز المفكرين في القرن السابع عشر. اشتهر بأعماله في الفلسفة السياسية، خاصة كتابه الشهير “اللفايثان” (Leviathan) الذي قدم فيه نظريته حول العقد الاجتماعي والدولة.نظرة هوبز إلى الطبيعة البشرية يرى هوبز أن الطبيعة البشرية أساسها السعي إلى البقاء، وأن الإنسان في حالته الطبيعية يسعى لتحقيق مصالحه الخاصة دون اعتبار لمصالح الآخرين. هذا يؤدي إلى صراع دائم وحالة من “حرب كل ضد كل” (bellum omnium contra omnes).
العقد الاجتماعي والدولة
لإنقاذ الإنسان من هذه الحالة المزرية، يقترح هوبز إبرام عقد اجتماعي بين الأفراد، يتنازلون فيه عن جزء من حرياتهم لصالح سلطة سياسية مركزية (الملك). هذه السلطة هي التي تضمن الأمن والاستقرار للمجتمع، وتحمي الأفراد من أنفسهم ومن بعضهم البعض.
السمات الرئيسية لنظرية هوبز:
الحاكم المطلق: يؤمن هوبز بضرورة وجود حاكم مطلق يتمتع بسلطة مطلقة لفرض النظام والقانون.
الخوف كدافع:
يرى هوبز أن الخوف من العنف والموت هو الدافع الرئيسي الذي يدفع الأفراد إلى إبرام العقد الاجتماعي والخضوع للسلطة.
حقوق طبيعية محدودة: يقر هوبز بوجود حقوق طبيعية للإنسان، ولكن هذه الحقوق ليست مطلقة، بل تخضع لقيود القانون والحفاظ على النظام.أهمية أفكار هوبزأفكار هوبز كانت لها تأثير كبير على الفلسفة السياسية الغربية، ولا تزال محل نقاش وتأويل حتى اليوم.
بعض أهم مساهماته:أسس نظرية العقد الاجتماعي: وضع هوبز الأسس النظرية للعقد الاجتماعي، وهي فكرة أساسية في الفلسفة السياسية الحديثة. أكد على أهمية الدولة: شدد هوبز على أهمية وجود دولة قوية قادرة على الحفاظ على الأمن والاستقرار.
أثر على مفكرين آخرين: أثرت أفكار هوبز بشكل كبير على مفكرين لاحقين مثل جون لوك وجان جاك روسو.نظرية العقد الاجتماعي عند توماس هوبز:، قدم لنا توماس هوبز واحدة من أبرز النظريات حول نشأة الدولة وهي نظرية العقد الاجتماعي. هذه النظرية تحاول تفسير كيف انتقل الإنسان من حالة الطبيعة الفوضوية إلى حالة المجتمع المدني المنظم.
حالة الطبيعة عند هوبز:
حرب كل ضد كل: يرى هوبز أن الإنسان في حالة الطبيعة يعيش في حالة من الصراع الدائم، حيث يسعى كل فرد لتحقيق مصالحه الخاصة دون قيود. الحياة وحشية وقصيرة: يصف هوبز حياة الإنسان في حالة الطبيعة بأنها “انعزالية وفقيرة وقذرة ووحشية وقصيرة”.
غياب القانون والنظام: في هذه الحالة لا يوجد قانون ولا سلطة تحكم سلوك الأفراد، مما يؤدي إلى الفوضى وعدم الأمن.
العقد الاجتماعي:
التنازل عن بعض الحريات: للخروج من هذه الحالة المزرية، يقترح هوبز أن الأفراد يدخلون في عقد اجتماعي يتنازلون فيه عن بعض حرياتهم لصالح سلطة سياسية مركزية .
اللفايثان : هو الذي يفرض القانون والنظام ويحمي الأفراد من أنفسهم ومن بعضهم البعض.
الحاكم المطلق:يرى هوبز أن هذا الحاكم يجب أن يكون مطلق السلطة لضمان الاستقرار والأمن.
أسباب إبرام العقد الاجتماعي: الخوف: يدفع الخوف من العنف والموت الأفراد إلى إبرام العقد الاجتماعي والبحث عن الأمن والاستقرار. السعي إلى البقاء: يدفع السعي إلى البقاء والحفاظ على الحياة الأفراد إلى التخلي عن جزء من حرياتهم مقابل الحماية.
أهمية نظرية هوبز:
أساس للتفكير السياسي: تعتبر نظرية هوبز نقطة انطلاق مهمة للتفكير في طبيعة السلطة السياسية ودور الدولة.
تبرير السلطة المطلقة:
قدمت النظرية تبريرًا فلسفيًا للسلطة المطلقة للحكام.
توماس هوبز والدولة الحديثة:
نظرة عميقة توماس هوبز، الفيلسوف الإنجليزي البارز، قدم إسهامات جذرية في تأسيس الفلسفة السياسية الحديثة، ولا سيما في فهمنا للدولة وطبيعة السلطة. تركزت رؤيته حول ضرورة وجود سلطة مركزية قوية لضمان الأمن والاستقرار في المجتمع، وهي رؤية شكلت إلى حد كبير النقاش حول طبيعة الدولة الحديثة.
حالة الطبيعة والحاجة إلى الدولة:
حالة الطبيعة:
يصف هوبز حالة الإنسان قبل تكوين المجتمع المدني بأنها “حرب كل ضد كل”، حيث يسود الصراع والعنف بسبب الأنانية البشرية والسعي الدائم إلى البقاء.الحاجة إلى سلطة مركزية: يرى هوبز أن هذه الحالة الفوضوية لا يمكن أن تستمر، وأن البشر بحاجة إلى الخروج منها من خلال إبرام “عقد اجتماعي”. هذا العقد يتضمن تنازل الأفراد عن جزء من حرياتهم لصالح سلطة سياسية مركزية تضمن الأمن والحفاظ على النظام. السيد السيادي: يطلق هوبز على هذه السلطة اسم “السيد السيادي”، وهو حاكم مطلق يتمتع بسلطة لا محدودة تقريبًا.
ملامح الدولة الحديثة عند هوبز:
الدولة كآلة: يرى هوبز الدولة كآلة مصممة للحفاظ على النظام، وهي ليست نتاج عقد طبيعي أو إلهي، بل هي نتيجة اختيار عقلاني للإنسان.
الحاكم المطلق:
يعتبر هوبز أن الحاكم المطلق هو الضمانة الوحيدة للاستقرار والأمن، وأن أي تقسيم للسلطة يؤدي إلى الفوضى. القانون المدني: يؤكد هوبز على أهمية وجود قانون مدني واضح يحدد حقوق وواجبات الأفراد، ويضمن تطبيق العدالة. الدولة كضامن للأمن:
يرى هوبز أن الدور الأساسي للدولة هو حماية الأفراد من العنف والجريمة، وتوفير بيئة آمنة لنمو الاقتصاد والمجتمع.
تأثير أفكار هوبز على الدولة الحديثة:
أسس فكرة العقد الاجتماعي: وضع هوبز الأساس النظري لفكرة العقد الاجتماعي التي أصبحت من المفاهيم الأساسية في الفلسفة السياسية.
أثر على نظريات السلطة:
أثرت أفكاره حول السلطة المطلقة على نظريات سياسية لاحقة، مثل تلك التي طرحها نيكولو مكيافيلي. شكلت مفهوم الدولة الحديثة: ساهمت أفكار هوبز في تشكيل مفهوم الدولة الحديثة ككيان سياسي مستقل يمارس السلطة على مجموعة من الأفراد.
نقد لمفهوم الدولة عند هوبز
: السلطة المطلقة: تعرضت فكرة هوبز عن السلطة المطلقة لانتقادات واسعة، حيث يرى منتقدوه أنها تهدد الحريات الفردية وتؤدي إلى الاستبداد. طبيعة الإنسان:
هل الإنسان بالضرورة أناني كما يصفه هوبز؟ هل هناك دوافع أخرى تحرك سلوكه؟
على الرغم من أن كليهما عاشا في نفس الفترة تقريبًا وتأثرا بالثورة العلمية، إلا أن هناك اختلافات جوهرية بين نظرياتهما، خاصة فيما يتعلق بالطبيعة البشرية والمعرفة والسياسة.
أوجه التشابه: الاهتمام بالمنهج العلمي: كلاهما كان مهتماً بتطبيق المنهج العلمي على الفلسفة، ورفضا الاعتماد على التقاليد والسلطات الدينية.
الاهتمام بالمعرفة: كان كلاهما يسعى إلى بناء نظام معرفي متماسك مبني على أسس منطقية.
أوجه الاختلاف:
الطبيعة البشرية: هوبز: يرى هوبز أن الطبيعة البشرية أساسها الأنانية والسعي إلى البقاء، وأن الإنسان في حالة الطبيعة يعيش في صراع دائم.
ديكارت: يرى ديكارت أن الإنسان يمتلك فكرة فطرية عن الله، وأن هذه الفكرة هي أساس المعرفة الأخلاقية والدينية.
المعرفة: هوبز: يرى هوبز أن المعرفة تأتي من الحواس والتجربة، وأن العقل يقتصر على معالجة هذه البيانات الحسية.
ديكارت: يرى ديكارت أن المعرفة تبدأ بالشك المنهجي، وأن الفكرة الوحيدة التي لا يمكن الشك فيها هي “أنا أفكر، إذن أنا موجود”.
الدولة: هوبز: يدافع هوبز عن الدولة المطلقة كضرورة للحفاظ على الأمن والاستقرار، ويعتبر العقد الاجتماعي أساسًا لتكوين الدولة.
ديكارت: لا يركز ديكارت على النظرية السياسية بقدر تركيزه على الفلسفة الأولى، ولكنه يؤمن بأهمية الدولة في الحفاظ على النظام.
الدين: هوبز: يعتبر هوبز أن الدين أداة للسيطرة الاجتماعية، وأن الدولة يجب أن تسيطر على الدين.
ديكارت: يؤمن ديكارت بوجود الله، ولكنه يفصل بين الدين والفلسفة.جدول مقارن:خاتمة :رغم الاختلافات الجوهرية بين هوبز وديكارت، إلا أن كليهما قد ساهم بشكل كبير في تطور الفلسفة الغربية. قدم هوبز نظرة قاتمة عن الطبيعة البشرية وأكد على أهمية الدولة في الحفاظ على النظام، بينما قدم ديكارت منهجًا شكوكياً للوصول إلى المعرفة المؤكدة.