الواقع أن الجريمة لا تتم دفعة واحدة وذلك لكونها تمر بمراحل متعددة تبدأ بالتفكير المجرد في ارتكابها مرورا بالعزم والاستعداد ثم البدء في التنفيذ الى غاية الوصول على النتجة المتوخاة .
وذا كان ارتكاب الجريمة التامة لا يدع مجالا للمناقشة حيث يظهر الأثر الذي تخلفه بصفة مادية ،فإنه هناك صعوبات تنتج عندما لا يستطيع الفاعل تحقيق مراده لسبب من الأسباب ،فهل يستحق العقاب على ذلك ؟
الجواب على السؤال هو وليد النظريات الحديثة التي تناولت مختلف المراحل التي تمر بها كل جريمة .ومن هذه النظريات ما يأخذ بالمفهوم الواقعي الذي لا يعاقب إلا على الضرر الذي يصيب المجنمع .في حين لا يراعي المفهوم الشخصي نتجة الفعل وحده بل كذلك جنون الفاعل ودرجة خطورته .
وقد أخذ المشرع المغربي بالاتجاهين في آن واحد ،لذلك نجده في الفصل 114 من القانون الجنائي ينص على أن : كل محولة ارتكاب بدت بالمشروع في تنفيذها أو لم يحصل الأثر المتوخى منها إلا لظروف خارجة عن إرادة مرتكبها تعتبر كاجناية التامة ويعاقب عليها بهذه الصفة والفصل 115 لا يعاقب على محاولة الجنحة غلا بمقتضى نص خاص في القانون الفصل 116 ومحاولة لا يعاقب عليها مطلقا .
والفصل 117 يعاقب على محاولة حتى في الأحوال التي يكون الغرض فيها من الجريمة غير ممكن بسبب ظروف واقعية يجهلها الفاعل .
من كل هذا يتضح ان المشرع اخذ بالمفهوم الشخصي عند معاقبة محاولة الجناية كالجريمة التامة ، وبالمفهوم الواقعي عندما يشترط البدء في التنفيذ وعلى أي حال فإن مضمون النصين 114و117 لا يكتنفها أي غموض حيث نص على الجريمة المستحيلة والجريمة الخائبة اللتين أصبحتا مدرجتين في اطار المحاولة لتعاقبا كالجريمة التامة .
والمحاولة لا يمكن أن تكون قائمة إلا إذا توفر فيها ركنان أساسيان هما : البدء في التنفيذ – انعدام العدول الإرادية
البدء في التفيذ .
لقد ظهرت جمة في تحديد الوقت المعين للبدء في التنفيذ نظرا للعبارات التي استعملت في الفصل 114 الشروع وأعمال لا لبس فيها … ولذلك لم يستطيع الاجتهاد القضائي الخروج بنتجة إيجابية في هذا الشأن حيث نراه تارة يأخذ بالمفهوم الشخصي وأخرى بالموضوعي ..
وعلى كل حال فإنه اعتبر الدخول ليلا حافي القدمين إلى بيت مسكون بنية السرقة شروعا في التنفيذ وكذلك الترصد من قبل جماعة مسلحة وحاملة أدوات مختلفة في مدخل عمارة من المقرر أن يمر بجانبها شخص يحمل مبالغ مالية فاعتبره شروعا في التنفيذ .كما اعتبر مجرد الدخول إلى سيارة مركونة في الطريق العمومية بنية الاستلاء عليها في غياب مالكها محاولة استعمال ناقلة ذات محرك بغير علم صاحب الحق فيها ف 522 ق ج وعلى العكس فإنه لم ير للمحاولة أثرا في قضية شخص أمد غيره بتعلمات وأموال مقابل قتل شخص آخر فلم يفعل ما طلب منه ، لان خصائص البدء في التنفيذ تستوجب وجود اعمال لا لبس فيها ولكنها تهدف مباشرة غلى ارتكابها.
انعدام العدول الإرادية .
غن هذا التعبير يفيد أن العدول الإرادة هو التراجع المقصود من غير تاثير خارجي ،فاذا صادف أن تخلى الفاعل عن ارتكاب جريمة قبل الشروع في تنفيذ ها فإن المحاولة لا يمكن ان تنسب إليه نظرا لأن المشرع أراد أن يعطيه فرصة أخيرة يحكم فيها ضمير وعقله ، واما إذا تم هذا التراجع إما بتدخل شخص معين أو بسب خارج عن إرادة الفاعل كسماع صوت محرك سيارة قادمة إلى المكان الذي تتم فيه السرقة فينتاب السارق رعب يفقده السيطرة على امره ويلوذ بالفرار دون إتمام سرقته فإن العدول في هذه الحالة يكون غير إرادي .
والوقت الذي يجب أخذه بعين في العدل الإرادي ،هو قبل تمام الجريمة فإذا تدخل بعد ذلك فإن تكون تامة ولن يكون كل عمل يقوم به الفاعل لإغاثة الضحية أو غرجاع المسرق مثلا إلا توبة أو ندما لا تراجعا وبذلك لا يكون أثر في تكوين ركني المحاولة .
عقاب المحاولة .
كما تقدم ، يعاقب القانون المغربي على محاولة الجناية بالعقوبة المخصصة للجناية التامة .
أما في الجنحة فلا بد من وجود نص صريح يعاقب عليها .
لذلك نجد أن محاولة السرقة البسيطة أو وهتك العرض و إفساد الشباب معاقبة ، في حين ليس هناك عقاب على محاولة الضرب والجرح وخيانة الأمانة .
والطريق التي يمكن للباحث أن يتأكد بها من وجود عقاب للمحاولة المتعلقة ببعض الجنح ، تتجلى في الرجوع إلى النص المتعلق بها في القانون الجنائي حيث في اخر كل فرع من فروع مدونة القانون الجنائي أو ما قبل الأخير فصل ينص على ذلك وإلا فليست هناك محاولة . هذا بصفة عامة ،أما إذا تعلق الامر بالباب الذي خصص لعدة أصناف من الجنح والجرئم فإن المشرع ينص على محاولة في الفصل بالذات حيث يستعمل لفظة من قام …. أو حاول ف 441 -449 ق ج وأخير فإنه المخالفة لا تعاقب على الإطلاق .