بالرغم من الانتشار الواسع الذي عرفه مبدأ فصل السلطات في الدول الديمقراطية حيث أخذت به معظم الدساتير ، فإنه تعرض لانتقادات كثيرة منها على الخصوص اعتباره مجرد واجهة شكلية تستخدمها البورجوازية الحاكمة للتستر من سيطرتها وإيهام الشعب بوجود توازن بين السلطات من شأنه ضمان حقوقه وحرياته كما انه عرف تراجعا عمليا رغم استمرار النظم الديمقراطية بالتأكيد عليه رسميا ويعزي ذلك إلى عوامل متعددة منها على الخصوص ظهور الأحزاب السياسية ودورها في الحياة الديمقراطية وتقوية السلطات التنفيذية وإضعاف السلطات التشريعية .جل هذه العوامل تدخل في تطور مبدأ فصل السلطات الذي سوف نشرع في التعرف على أهم العوامل الذي ساهمت في تطور ه,
العامل الأول :لتطور مبدأ فصل السلطات .
فبالنسبة للعامل الأول ،فقد ظهر مبدأ فصل السلطات في وقت لم تكن فيه فتشكل هذه الأحزاب السياسية موجودة أما في الديمقراطيات المعاصرة فتشكل هذه المؤسسات المحرك الأساسي ،وقد أدى ذلك عمليا إلى الإخلال بمبدأ فصل السلطات ففي بريطانيا مثلا لم يعد الواقع السياسي للنظام بفعل الدور المهم التي تلعبه الثنائية الحزبية يعكس حقيقة جوهر مبدأ فصل السلطات ،لأن الحكومة ولا سيما الوزير الأول أصبحت هي القوة المسيطرة في الحياة السياسية والمحركة للبرلمان فالحزب الفائز في الانتخابات يسيطر عمليا على الجهاز التنفيذي والجهاز التشريعي معا ،فهو يجسد عمليا وحدة السلطة .
العامل الثاني :لتطور مبدأ فصل السلطات .
أما بالنسبة للعامل الثاني : فيلاحظ في النظم الديمقراطية المعاصرة تطورا عاما باتجاه تقوية السلطة التنفيذية على حساب السلطة التشريعية فالحكومة أصبحث تقوم بالوظيفة التنفيذية ، على حساب السلطة التشريعية حيث تصل مشاريع القوانين الصادرة عنها 80% في كل من المغرب وفرنسا وإيطالي والولايات المتحدة كما ان لجوء السلطة التنفيذية إلى تقنيات حديثة كمراسيم القوانين وقوانين الإذن زاد من نفوذها على حساب السلطة التشريعية الذي يفيد بأن لاتستأثر سلطة من السلطات بمعظم وظائف الدولة .
التطور العام لمبدأ فصل السلطات .
وفي مقابل ذلك يلاحظ تطورا عاما باتجاه إضعاف التشريعات عن طريق ما يسمى بالعقلنة البرلمانية أي مجموعة من الإجراءات والمساطير الكفيلة من الحد من سلطات البرلمان ، ولم تعد السلطة التشريعية في الواقع إلا اداة لإقرار مشاريع القوانين المقدمة من طرف الحكومة والمصادقة عليها وبالتالي تحولت إلى مجرد غرفة تسجيل إذا استثينا دورهم في مراقبة عمل الحكومة وقد أدى تقهقر البرلمانات في العالم إلى الإخلال بمبدأ فصل السلطات كما عبر عنه مونتسكيو ،ولم يبق من أثره إلا الفصل العضوي للسلطات